الشاب المعقد صاحب النظره السوداء
الشاب المعقد صاحب النظره السوداء
قد يتصور بعضنا أن لو كانت حوادث الحياة تجري على غير ما تجري عليه لكانوا اسعد حالا واقل معاناة، بينما غالبا لا يرتبط شقاؤهم بهذه الحوادث بل بالكيفية التي يواجهون بها تلك الحوادث فمن الممكن للإنسان أن يغير من تأثيرها على روحه بل ويكسب المواقف الموفقة من خلالها لو حاول وأصر على ذلك .
إن حياة الإنسان خليط من الراحة والألم، فكل منهما يستوعب ناحية من العمر المحدود للنفس البشرية، وكل إنسان يواجه قسما منهما على حد ماله من نصيب ويقع نتيجة لتفاعلهما معا عرضة لمشاكل الحياة ومصائبها، وطبقا لهذه الحقيقة تتأرجح حياته بين سكينة الراحة وعصف الألم.
إن جمال الخلقة لا يتجلى بعين من تكدرت مرآة روحه بغبار التشاؤم. ليس هذا فحسب، بل حتى السعادة تظهر له وقد بدلت صورتها إلى ملل ونكبة دائمة، وانه بسوء ظنه ونظرته السوداوية لا يستطيع أن يتصور عمل أي شخص بريئا عن الأغراض المريضة المنحرفة. إن هولاء الذين أصبحت أفكارهم يطغى عليها السلبية والجمود سوف لا يبقى لديهم أية طاقة ايجابية، وأنهم بأوهامهم يخلقون لأنفسهم ما شاؤوا من المشاكل ويهدرون طاقاتهم بالتفكير المضني حتى في الحوادث التي لم يصابوا بها بعد وربما لن يصابوا بها أبدا. وكما أن آثار النظرة المتفائلة والخلاقة تسري إلى من حولها فتحي فيهم عظيم روح الأمل، كذلك النظرة المتشائمة تلقن من حولها شديد الألم والاضطراب.
إن الذين اعتادوا على الاعتقاد بان محور الشر يتركز حولهم قاصدا إليهم سوف لن يعيشوا إلا عيشة مؤلمة قاتمة مكفهرة، وسوف يفقدون على اثر حساسيتهم البالغة في الحوادث كثيرا من قواهم وطاقاتهم وتذهب كالهباء المنثور، وسوف يبقون في غفلة سادرة عما حولهم من مواهب هذا العالم وبركاته المحيطة بهم وهم لا يشعرون. يقول احد الحكماء" إن الدنيا تدين الإنسان كما يدينها وتعامله بالمثل تماما، فان تضحك لها تضحك لك، وان تقطب عليها تقطب عليك، إن استعملت الفكر ألحقتك بالمفكرين، وان كنت رحيما صدوقا وجدت حولك أناسا يحبونك وقد فتحوا لك ما في قلوبهم من كنوز المحبة والوداد".
يجب علينا أن نهيئ أنفسنا لمواجهة ما لا يلائمنا مما يسد علينا طريق الحياة، حتى لا نفقد عنده القدرة على ضبط أنفسنا وإلا فسنقابل بخسائر لا تجبر بل ربما نسقط في خضم حوادثها ومجرياتها مهما كانت يسيرة.
كما ان تختلف النظرات فمنهم من ينظر في شي بقصد إظهار عيوبه لا تبحث
عينه حينئذ غير العيوب بل لا تبصر سواها ومنهم من يتأمل
الشئ بقصد المدح فأنه يوجه نضره إلى كل المحاسن التي فيه
مثلا : من يدخل حديقة غناء للبحث عما استتر فيها من العيوب
فلا يصعب عليه أن يجد بين الأزهار العطرة المفتحة الأكمام
ورده لفحتها حرارة الشمس فذبلت ولا يتعذر عليه أن يجد من
شقوق النمل في سيقان الشجيرات كل هذا يجده الباحث
ولا ينكره أحد ولا يستطع منعه إنسان
الواقع ان هذه العيوب مع وجودها لم تمنع دون تأثير رونقها الجذاب
ألا في نظر الذي قصر بحثه عليها فالناس ينتعشون ويبتهجون بمحاسن الحديقة وجمالها
والآخر يتألم ويحزن من مساويها وعيوبها وليست الحياة ألا على هذا المثال
لذلك تجد الذين ينظرون إلى الدنيا بعين السخط وعدم الرضا في ضيق من أمرهم وحزن على مآلهم
وبذلك تحولت حياتهم إلى شقاء وتحولت صفوها كدر وطعمها الحلو إلى علقم
وعين الرضي عن كل عيب كليلة ******وعين السخط تبدي المساوئ
قال تعالى :
" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "